الدراما في التعليم ومفهومها

الدراما في التعليم ومفهومها
من المعروف أن ثمة مجموعة من التقنيات المسرحية التي تشكل مسرح الطفل تشكيلا فنيا وجماليا، وتحضره ليصبح عرضا دراميا مقبولا عن طريق بناء عوالمه الداخلية، وتشييد تصوراته الخارجية ، وتشكيل مخياله الحسي والتجريدي. وهذه التقنيات الدراماتورجية في الحقيقة مهمة لإرساء  مسرح الطفل إرساء صحيحا،  وتنويع أشكاله وتجسيد ضروبه. كما ينبغي على أي كاتب أو مخرج أو ممثل أو مدرس أو ناقد مهما كان باعه من الثقافة أن يلم بهذه التقنيات المسرحية المختلفة، ليعرف كيف سيتعامل مع مسرح الطفل تأليفا وتشخيصا وإخراجا. ويقول باتريس بافيس  Patrice Pavis عن هذه التقنيات الإجرائية :" التقنيات المسرحية مجموعة من الأساليب المنهجية في التأليف الدرامي للاستعمال الفعال على الخشبة وفي الأداء التمثيلي للممثل. كما أن التقنية المسرحية تعيد تجميع الإعداد المسرحي والسيميائي للعرض وفن الممثل وهي في حالات أخرى تقدم وكأنها توجه جمالي، الشيء الذي يساعد على التحليل والانطباع النقدي".[1]
ومن هنا، نعتبر مسرحة المناهج والمقررات والبرامج والدروس الصفية مهما كان نوعها تقنية درامية مهمة ، وطريقة ناجحة لتشخيص الخبرات التعليمية- التعلمية في أحسن الظروف الممكنة والمتاحة.
إذا، ماهي الدراما التعليمية أو مايسمى أيضا بمسرح الدروس الصفية؟ وماهي مقومات هذه الدراما التربوية؟  وماهي مكوناتها البنيوية ومفاهيمها النظرية؟ وماهي وظائفها الأساسية؟ وكيف يمكن الاستعانة بالدارما التعليمية على مستوى التطبيق والتنفيذ في مؤسساتنا التربوية؟

1- مفهوم الدراما التعليمية:

نعني بالدراما التعليمية مسرحة المناهج والبرامج والمقررات الدراسية لخدمة الطفل المتعلم، وتحقيق الوظائف التربوية والتعليمية من وراء تقديم الخبرات التعليمية داخل الفصل الدراسي. ومن هنا، تنبني الدراما التعليمية على شرح الدروس وتفسيرها على ضوء آليات تنشيطية درامية كاستخدام الألعاب، وتبادل الأدوار، وتقليد الشخصيات.
ويتطلب تدريس الحساب مثلا استخدام مجموعة من الألعاب التمثيلية. بينما تستلزم قراءة النصوص المسرحية أو القصصية أو الشعرية من المتعلم تقليد الأصوات الغيرية نطقا وحركة وتعبيرا وتشخيصا. كما تحتاج مواد التربية الإسلامية إلى التمثيل الدرامي لتشخيص مجموعة من المواقف والقيم الأخلاقية قصد تعلمها واكتسابها وتمثلها.
ويرى الباحث المغربي سالم كويندي في كتابه" المسرح المدرسي" أن هذه الدراما تعتمد على" نص مسرحي مكتوب، مما يجعل الأطفال يتعاملون مع أدوار محددة حسب مواصفات معينة على المستوى التقني أو الحوار أو الفكرة، كما أن هذا النشاط المسرحي سيقدم لأطفال آخرين،  وبذلك يمكن تحقيق الدراما بما يفعله الأطفال والمسرح حيث تتم المشاهدة والفرجة، كما يمكن للتلاميذ في هذه الحصة اعتماد نصوص أخرى تعتمد على تأليفهم الشخصي تحت إشراف المعلم، أو أن المعلم يعدها من مواد أخرى لتدخل مجال المسرح التعليمي بما هو تبسيط وتوضيح لمعطيات معرفية منبنية على أحداث ووقائع تاريخية أو غيرها، وفي نفس الوقت تجعلهم مقتدرين على تتبع فرجات مسرحية أخرى، والإفادة منها...
ويبقى أن نذكر كلمة أخيرة بهذا الصدد ، أن المكان الذي تقدم فيه هذه الأعمال، والذي ليس إلا الفصل الدراسي، بحيث تحول حجرة الدرس إلى مسرح والأطفال هم الممثلون والجمهور في نفس الوقت، كما أن المتطلبات المسرحية للعرض المقدم يقترح أن تكون من البساطة، التي لاتجعل الأطفال يستشعرون أي عبء أو استغراب لها، وبذلك، فإنهم مدعوون للإسهام في إنجازها أو إحضارها ومما هو متوفر لديهم وفي بيئتهم".[2]
وعلى العموم، فالدراما التعليمية هي التي تسخر المواد التربوية ودروس المقرر ووحدات المنهاج الدراسي في شكل فرجات مشهدية وحوارات مسرحية ، يشارك في إعدادها كل من المدرس والتلميذ داخل الصف المدرسي أو قاعة المدرسة المخصصة للعروض الفنية أو الحفلات المدرسية.


2- مقومات الدراما التعليمية ومكوناتها النظرية:

تستند الدراما التعليمية إلى مجموعة من المقومات النظرية والأسس المنهجية التي ينبغي الانطلاق منها لتطبيق هذه الدراما داخل الفصل الدراسي ، وتفعيلها بشكل مستمر ودائم في مؤسساتنا التربوية والتعليمية من أجل تحقيق الجودة الكمية والكيفية.
وتتمثل هذه الأسس في تحويل مجموعة من الدروس اللغوية والدينية والعلمية والفنية إلى نصوص  درامية قابلة للتشخيص والتمثيل والتنشيط اللعبي ، بعد إخضاعها فنيا وجماليا لمتطلبات الإخراج الركحي ، ومتطلبات السينوغرافيا التربوية من أجل تقديم الدرس في أحسن صورة ممكنة،  وبأيسر الطرق مع تحريك التلاميذ داخل القسم الدراسي ذهنيا ووجدانيا وحركيا ولعبيا.
كما يتحول المدرس في الفصل الدراسي إلى مخرج مسرحي من خلال توظيفه لخطاب تواصلي درامي سواء أكان لفظيا أم غير لفظي عن طريق تشغيل اللغة المعبرة واستخدام الحركات الهادفة. بينما التلاميذ يشكلون الممثلين والمشاهدين الراصدين على حد سواء. أما القسم ومصطبته فهما بمثابة الخشبة الركحية ، في حين تشبه المقاعد والطاولات والكراسي والصور المعلقة على الجدران ما يسمى بالتأثيث السينوغرافي.
هذا، ويمكن:" استخدام هذا النوع من المسرح التعليمي – حسب الأستاذ سالم كويندي- على أوسع نطاق لتقديم مختلف المواد والمناهج الدراسية، بشكل يربط الطفل بمدرسته... لما فيه من تشويق، وللدور الإيجابي الذي يعطيه للطفل في العملية التعليمية، بحيث يكون هنا التمثيل مستخدما كطريقة للتعليم، أي إنه طريقة لتعليم الموضوعات في حين تكون الدراما الإبداعية والتمثيل التلقائي، فهو الوسيلة التي يمكن عن طريقها أن يصبح الأطفال قادرين على استخدام التمثيل لا كوسيلة للتعليم، بل كإجادة التمثيل حتى يستطيع الأطفال فهم التاريخ والجغرافية، أو الاقتراب من الموضوعات العلمية أو تذوق القصص الدينية والأدبية، وبهذا الفهم نقترب من نوع آخر في المسرح المدرسي، هو مسرح المنهاج والذي يعتمد فيه على الأطفال بعد إجادتهم للتمثيل بواسطة الدراما الإبداعية والنشاط التمثيلي للطفل أو التمثيل التلقائي لأنه بدون هذه المرحلة لايمكننا الإقدام على تقديم مسرحيات المنهاج."[3]
وعليه، فلابد للمدرس أن يحول دروسه إلى مشاهد ولوحات وحبكات درامية داخل الفصل الدراسي أو خارجه، ويختار لها المكان والزمان المناسبين، وينتقي التلاميذ الذين لهم الرغبة في التمثيل والتقليد من أجل أداء المسرحيات ارتجالا ، بعد أن يختار لهم النصوص التي تكون قريبة إلى نفوس الأطفال وميولاتهم وأهوائهم واتجاهاتهم النفسية. فتحقق لهم التسلية والمتعة والترفيه، كما تنمي مداركهم المعرفية والتعليمية.
ولابد من تمثل البساطة في أداء الأدوار المسرحية ، والابتعاد عن الغموض والتجريد ، واستبدالهما بكل ماهو تقريري مباشر قريب من عالم الأطفال ، ويكون حسب مستواهم العمري وحاجياتهم النفسية والاجتماعية.
وعلى المدرس الكفء وضع:" مجموعة من الأسس لبناء الوحدات الدراسية ومسرحتها مع تقديم الخطوات اللازمة لتدريس الوحدات الدراسية الممسرحة، أي تقديم طريقة ملائمة لتدريس الخبرات الدرامية داخل الفصل، وتجريب إمكانية استخدام الخبرة الدرامية كأسلوب للتدريس، لإمكانية تعرف مدى تأثيرها في التحصيل المعرفي وفي الاتجاهات العلمية والتفكير العلمي للتلاميذ، وذلك من خلال مجموعة المقاييس المعدة لهذا الغرض. والأطفال يدخلون المسرح ولكن ليس كمتفرجين أو مشاهدين لعرض من عروض الأطفال، وإنما كمشاركين في العمل المسرحي، من خلال هذه المشاركة يتلقون دروسهم ويستكشفون طبيعة المنهج الدراسي المقرر عليهم، وينتقلون من مرحلة استظهار الدروس إلى مرحلة معايشتها. ويكون مسرحهم هو قاعة الدرس، ومدرسهم معهم. ولن نسميه مخرج العرض، ولكن سنسميه مدرس الدراما. ومن خلال هذه الطريقة يستكشف التلاميذ مشكلات العلاقات الإنسانية عن طريق تمثيل المشكلات في مواقف، ثم مناقشة الموقف الدرامي، من خلال استخدام الخبرة الدرامية كأسلوب للتدريس، وذلك فيما يتعلق باكتشاف المعرفة وتحقيق نمو التفكير العلمي.".[4]
وهكذا، يتبين لنا بأن الدراما الإبداعية أساسها هو تحويل المادة المعرفية التي يتضمنها المنهاج أو البرنامج الدراسي السنوي إلى خبرات تعليمية وتعلمية سهلة وميسرة ومبسطة في شكل أهداف إجرائية،  أو وحدات سلوكية واضحة،  أو كفايات  ووضعيات تتدرج من مستوى السهولة إلى مستوى الصعوبة عبر وسيط فني ، يتمثل في الفرجة المسرحية التي يكون فيها التلميذ مرسلا ومتلقيا ، أو ممثلا وراصدا، أو لاعبا ومتفرجا.

3- وظائف الدراما التعليمية:

من المعروف أن للدراما التعليمية وظائف كثيرة، إذ تساعد على توضيح الدروس وشرحها، وتذليل الصعوبات، والجمع بين التسلية والتعليم، وإفادة العقل وإمتاع الوجدان، وتحريك الطفل المتعلم ذهنيا ووجدانيا وحركيا لبناء دروسه اعتمادا على ذاته عن طريق المحاكاة والتقليد وتبادل الأدوار الدرامية. كما تساهم الدراما التعليمية في الحد من الروتين والتكرار، وتفادي رتابة الدروس التي تجعل المتعلم منفعلا وسلبيا غير فاعل ولا مشارك. كما تجنب المدرس سلبيات الطرائق البيداغوجية التقليدية القائمة على  التلقين والتوجيه.
وبناء على ما سبق، فالمسرحية التعليمية تهدف إلى الشرح والتفسير والإرشاد والتوضيح والتبسيط، وتلتجئ إلى :" استخدام المسرح أداة تعليمية مباشرة كالمسرحية الإرشادية التي استخدمتها الكنيسة لتفسير العقائد وشرحها للجمهور، وهذا ما شهدته العصور الوسطى حين وضعت العنصر التعليمي في خدمة الوعظ الإرشادي الديني. ولذلك، تعتبر مسرحيات الأسرار والخوارق المسرحية الأخلاقية مسرحيات إرشادية تعليمية لتفسير عقائد الكنيسة وشرحها للجماهير. ولقد كان الهدف من وراء ذلك هو تثبيت عقيدة الشعب الأمي وتقويتها... والمسرحية التعليمية هي تلك التمثيلية التي يكون الهدف الأساسي منها هو إدخال فكرة معينة في أذهان الجماهير، والعادة أن تكون فكرة دينية أو سياسية أو اجتماعية"[5].
ومن هنا، فالهدف من الدراما التعليمية هو تلقين الخبرات التعليمية للمتعلمين، وتسهيل الدروس الصعبة على التلاميذ بكل بساطة ومرونة، وتقديمها لهم بأيسر السبل عن طريق اللعب والمحاكاة والارتجال ، وتمثيل المواقف الصعبة، وتشخيص الوضعيات الكفائية  لإيجاد الحلول لها ، مع انفتاح تام على البيداغوجيا المعاصرة، وتمثل الطرق الفعالة الداعية إلى الحرية واللعب والاكتشاف والإبداع والتعلم الذاتي. أي للدراما التعليمية وظائف عدة يمكن حصرها باختصار في التثقيف، والتوجيه، والإرشاد، و الإمتاع، والتسلية، والترفيه، والإقناع، والتبليغ، والحجاج، وتذليل الصعوبات التربوية، ودعم المتعلم معرفيا وعلاجيا وأخلاقيا. كما أن هذه الدراما تعمل على تنمية مدارك التلميذ الذهنية والفنية والجمالية والتعليمية، وترقي ذوقه ووجدانه وشعوره النفسي. كما تساعده على الحركة الإيجابية،   والتحول الدينامي . زد على ذلك أنها تعلمه فلسفة الانضباط، وضرورة الاندماج داخل الجماعة، وتعلمه أيضا العمل الدائم والمستمر في إطار فريق تربوي ، والانصهار في الجماعة الصغرى والكبرى ، مع الإيمان بنجاح سياسة التسيير الداخلي داخل المؤسسة التعليمية من أجل تحقيق نجاحها الداخلي والخارجي.